بحث هذه المدونة الإلكترونية
الخميس، 10 مارس 2011
الأربعاء، 9 مارس 2011
تصور عام لإنشاء جمعية مغربية تعنى بشؤون خريجي وطلبة التعليم العتيق
تصور عام لإنشاء جمعية مغربية تعنى بشؤون خريجي وطلبة التعليم العتيق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أولا: دواعي التأسيس
شعورا من خريجي وطلبة التعليم العتيق بضرورة وجود قناة قانونية لمعالجة قضاياهم العامة، والمستجدة التي تطرأ كل يوم، سيتم-بإذن الله- تأسيس أول جمعية وطنية لهذا التعليم، توحد أبناءه وتجمعهم على كلمة سواء؛ لتحقيق المصالح المشتركة فيما بينهم، وسعيا للوصول إلى الأهداف المنشودة، والغايات المتحدة، والمطالب المعقولة؛ إذ الجمعية هي الوسيلة المثلى التي يمكن لخريجي وطلبة هذا التعليم أن يتواصلوا عبرها وينظموا أنشطتهم بها...
مستندين في ذلك على الحق الذي يكفله الدستور المغربي (ظهير شريف رقم 1.58.376 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378ﻫ موافق 15 نونبر 1958م يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات).
ويعتبر إنشاء هاته الجمعية أمرا في غاية الأهمية؛ فالحاجة إليها تزداد يوما بعد يوم، ولابد من مواكبة المستجدات بتوحيد الكلمة، والتنسيق بين أبناء هذا التعليم، وإننا على ثقة من وعي أبنائه وحرصهم على تحقيق جمع كهذا، ينضوي تحته مختلف خريجي وطلبة المدارس العتيقة بالمغرب.
وإذا كان من الصعب أن نتناول بالتفصيل الدور الريادي الذي يمكن أن تؤديه الجمعية على المستوى الوطني، وما ستكون عليه وتسير وفقه؛ فإننا سنكتفي بذكر مجموعة من النقاط التي هي بمثابة معالم ومنطلقات أساسية لتكوين الجمعية وإنشائها، تاركين التفصيل لمن يوكل إليهم أمر تكوين الجمعية وتسييرها؛ فالنخبة المنتخبة هي التي ستوضح الرؤية أكثر، وتضع المقترحات اللازمة لتجاوز الصعاب، على ضوء ما يتطلبه الواقع.
ثانيا: أهداف الجمعية.
ينبغي أن تسعى الجمعية لتحقيق الأهداف التالية:
· لم شمل طلبة وخريجي التعليم العتيق، وذلك من خلال تدارس قضاياهم، وفحصها، وتناول الحلول لما هو عالق منها، وبذلك تكون الجمعية نواة الوحدة ومنارة التأليف بين أبنائها.
· تفعيل دور المدارس العتيقة وطلبتها وخريجيها للمساهمة في مشاركة تفاعلية في المجتمع.
· تحقيق المصالح ومواكبة المستجدات، في شتى جوانب التعليم العتيق، سواء ما تعلق من ذلك بالمناهج أو المقررات الدراسية، أو القوانين المستجدة.
ثانيا: الأسس العامة لتكوين الجمعية
من أهم ما يجب توفره في تكوين الجمعية الأسس التالية:
· أن يكون أعضاء الجمعية من خريجي وطلبة التعليم العتيق.
· أن تكون الجمعية وطنية التكوين؛ وذلك بأن تضم من كل مدينة بعض طلبة وخريجي هذا التعليم.
· أن تتحقق في العضو أهلية الانتماء للجمعية، ويمكن معرفة ذلك بطرق معينة، يمكن للهيئة التأسيسية التداول بشأنها.
· أن تضع الهيئة التأسيسية الأسس والأهداف العامة للجمعية، وبنودا تفصيلية لشؤون الإدارة والتسيير.
· أن تكون للجمعية مقرات بالمدن المنتمية لها ومكاتب بمختلف المدارس العتيقة، تكون مهمتها تيسير التواصل بين أعضاء الجمعية والمتمدرسين.
· أن تتفرغ هيئة متوفرة على العدد الكافي القادر على مواصلة الطريق؛ حتى إخراج الجمعية لحيز الوجود، ومن ثم الاستمرار في مزاولة الأنشطة.
· ضرورة إشراك أكبر شريحة ممكنة من منتسبي هذا التعليم في وضع قانون الجمعية وتسييرها.
· أن يتفق أعضاء الهيئة التأسيسية على خارطة طريق يسيرون وفقها ويهتدون بها.
· أن لا تكون الجمعية مجرد مظهر تقليدي أجوف فارغ المحتوى، ليس لها أثر في المدارس العتيقة، بل يجب أن تكون أداة فعالة لعلاج المشاكل التي تواجه أبناء هذا التعليم.
· أن تتخذ الجمعية فروعا لها، في كل مدينة من المدن التي توجد بها مدرسة عتيقة، ويوكل ترشيح ممثلي تلك الفروع لأبناء تلك المدرسة.
· أن تعلن الهيئة التأسيسية عن مشروعها وأهدافها ويتم الإعلان عن الفكرة في مختلف وسائل الإعلام، و يتم اللقاء بين ممثلي طلبة وخريجي المدارس العتيقة في مختلف المدن المغربية.
· تعقد الجمعية مؤتمرا عاما سنويا (يحدد تاريخه لاحقا)
ثالثا: بعض الأعمال الأخرى التي يمكن أن تقوم بها الجمعية.
· عقد ندوات ولقاآت علمية مختلفة؛ خصوصا ما يتعلق منها بقضايا التعليم العتيق.
· تحديد مطالب طلبة وخريجي المدارس العتيقة ورفعها إلى الجهة الوصية.
· حث الأطراف المعنية على خلق الطور النهائي ووحدات الدراسات العليا والدكتوراه في المدارس العتيقة المهيأة لذلك.
· إصدار مجلة فصلية تعنى يشؤون التعليم العتيق، وتنشر فيها قضايا هذا التعليم والبحوث المؤصلة، تعميما للنفع، وتحفيزا للإنتاج.
· توجيه الحاصلين على شهادة الباكلوريا لاختيار التخصص المناسب لميولاتهم الفكرية.
رابعا: الخطوات العملية التي يمكن القيام بها لإنشاء الجمعية
· يتم التعرف في البداية على طلبة وخريجي التعليم العتيق الذين يشكلون نواة هذا التعليم في كل مدن المغرب، فيكون هؤلاء في البداية هم الذين تتكون منهم الهيأة التأسيسية للجمعية.
· وضع ضوابط موضوعية يتفق عليها أعضاء الهيئة التأسيسية للجمعية؛ للانخراط في الجمعية.
· أن يرشح الشخص لعضوية الجمعية على أساس أدائه وسلوكه، وليس لأي اعتبار آخر.
· يقام الجمع العام التأسيسي للجمعية بمدينة من المدن المغربية يتفق عليها لاحقا.
· ضرورة ضبط الأمور بما يحفظ للجمعية رسالتها وهيبتها.
تلك هي الخطوط العريضة التي أرى العمل عليها الآن، وللإخوة والزملاء التواصل وإبداء الرأي؛ لنتشاور فيما يمكن أين يكون قد أغفل، ويمكن التواصل عبر العناوين التالية:
البريد الإلكتروني: karim_kallali@hotmail.com
قناة التواصل عبر الفايسبوك: http://www.facebook.com/home.php?sk=group_190500730984473&ap=1.
الجمعية المغربية لخريجي وطلبة التعليم العتيق
والله أسأل أن يكتب لنا التوفيق والسداد.
إعداد: عبد الكريم القلالي
(خريج التعليم العتيق)
29 ربيع الأول 1432ﻫ ، الموافق: 2 مارس 2011م
أجمل ثورة رأيتها ...منظموها أطفال عمرهم ثماني سنوات!
عبدالكريم القلالي
Karim_kallali@targuistcity.net
بسم الله الرحمن الرحيم
في ليلة الثلاثاء جاءتنا الصغيرة مريم ذات الثمانية سنوات إلى البيت؛ كعادتها لما تكون بحاجة إلى مساعدة في حل تمارين مدرسية، حيث تجد بالبيت من يساعدها في القيام بذلك، ولا تتردد في الإتيان إلى البيت كلما دعت الحاجة لذلك؛ لكنها هاته المرة فاجأتني بقولها-وأنا منهمك في تأمل وتدبر صحيفة بيدي أقرؤها- إننا لن ندرس هاته الأيام، وسنقاطع الدراسة؛ فشد الأمر انتباهي، وسألتها كيف ذلك؟؟.
فقالت: إن مجموعة من زملائها الصغار الذين يدرسون معها بالقسم الثالث ابتدائي ممن تتراوح أعمارهم بين سبع وعشر سنوات، يعتزمون مقاطعة الدراسة!
ورأيت قسمات وجهها توحي أن حديثها جد لا هزل؛ فالأمر حقا يدعو للغرابة والعجب!
فأخذت أسألها عن التفاصيل غير مصدق ما أسمع!؛ فأكدت لي أنهم سيقاطعون الدراسة وقد أبرم زملاؤها اتفاقا لتنفيذ ذلك؛ سوى ستة منهم تخلفوا عن الجماعة؛ لكن باقي التلاميذ لن يأبهوا لعدم مشاركتهم –حسب قول مريم- وسيواصلون مقاطعتهم التي لم تعرف الصغيرة مريم أن تقول: "حتى تحقيق المطالب" كما يعبر عن ذلك الكبار؛ لكنها قالت: سنقاطع ونواصل المقاطعة إلى أن تكف المعلمة عن ضربنا وشتمنا؛ فسبب الإضراب: -حسب قول الصغيرة مريم- يعود إلى الطريقة غير اللائقة التي تتصرف بها معلمتهم مع التلاميذ في القسم؛ حيث لا تكف عن الصياح والسب والشتم والضرب بلا رأفة ولا رحمة.
سألت مريم عن مصدر فكرة الإضراب؛ فأشارت إلى أنها فتاة تبلغ من العمر عشر سنوات؛ وكان تخطيطيها في بداية الفكرة: أن يحضر التلاميذ الإناث دون الذكور؛ حيث يقوم الذكور بغياب جماعي إلى أن يحضر مدير المدرسة، وستتولى التلميذات مسألة إخبارهم؛ وقاطعتها للسؤال عن طريقة التواصل معهم؛ فأجابت أن كل تلميذة تخبر أخاها، ومن لا أخت له تتكلف قريبة له بإخبارها، مشيرة إلى أنهم يكونون على أتم الاستعداد يوم الإثنين؛ لكون المدير غالبا ما يحضر في هذا اليوم.
وعن احتمال اكتشاف أمرهن من قبل المعلمة؛ سألت مريم عن ذلك؛ فأجابت:
اتفقنا على أن لا تخبر أي واحدة منا المعلمة عن سر الغياب وأن يبقى الأمر فجأة حتى يحضر المدير فيلتف حوله الجميع؛ لتقديم الشكوى ضد المعلمة... ولم تستقر الفكرة طويلا؛ حتى أشار التلميذ حسن ذو الثماني سنوات بفكرة أخرى مفادها: أن تحضر جماعة من الذكور وتغيب جماعة أخرى؛ ليلا يثير الأمر انتباه المعلمة، وحتى الساعة ما تزال تلك الجماعة من التلاميذ مضربة عن الدراسة؛ حتى إشعار من زملائهم الذين يتابعون الدراسة؛ فيحضروا جميعا للتعبير عن عدم رضاهم عن تعامل معلمتهم معهم.
وأكدت الصغيرة مريم -في حديث عفوي دون دراية منها أني أدون قصتها وظنا منها أني أكتب في الجهاز ما اعتادت تراني أكتبه- أن الاتفاق ساري المفعول وأن الجماعة ملتزمة بما تم الاتفاق عليه؛ دون علم آباء وأولياء أمور التلاميذ، ويخرجون ويعودون كل يوم لبيوتهم بانتظام؛ كسائر أيام الدراسة حتى لا يثيروا انتباه أسرهم، وتصر مريم على مواصلة المقاطعة حتى خروج المعلمة من المدرسة بصفة نهائية، وسألتها عما إذا لم تخرج المعلمة هل سيستمر الغياب؛ فأجابت: إن المعلمة ستخرج لا محالة؛ سألتها كيف ذلك؟! فقالت: بكثرة الشكوى والإصرار سيتحقق ما نريد.
وأشارت في معرض حديثها إلى أن الأمر لا يقتصر على قسمها؛ فحسب؛ بل يفكر القسم الرابع أيضا في اتخاذ نفس الخطوة بسبب المشكل ذاته؛ لكون القسمين يدرسان على نفس المعلمة.... وعن احتمال توجيه هؤلاء الصغار من قبل جهة أو شخص ما؛ نفت مريم نفيا قاطعا، أن يكون لأحد صلة بما يفعلون، وأن الساكنة لا تدري شيئا عما يجري ويحدث؛ وسيحققون مبتغاهم بمجهودهم.
هنا استوقفتني مريم قائلة ... وباقي التفاصيل ستأتي والقصة تكتمل شيئا فشيئا !
وسألتها عن مزيد تفاصيل: فقالت: " ايوا صافي باقي شوية شوية"
السبت، 5 مارس 2011
الجمعة، 4 مارس 2011
هل يحتاج التعليم الديني (العتيق) بالمغرب إلى تأليف كتاب مدرسي؟
عبد الكريم القلالي
Karim_kallali@targuistcity.net
بسم الله الرحمن الرحيم
الغرض من هذا الموضوع محاولة إثارة بعض إشكاليات التعليم العتيق، واستدعائها لساحة الاهتمام، وفتحها للحوار وتبادل الآراء؛ للوصول إلى المنهج السليم، لئلا نفر من ذكر الحقيقة بدعوى الغيرة المغشوشة، وغلبة التقاليد الموروثة؛ ولست أدعي بهذا القفز فوق الجميع، بمؤهل ودون مؤهل، ولكنها دعوة لإعادة النظر في إعادة البناء، وتجاوز السلبي الذي ثبت بالتجربة الميدانية سلبيته.
هذا. وقد صدر القانون المنظم للتعليم العتيق، 01 ـ13 الصادر في 15 من ذي القعدة 1422 هـ/الموافق ل: 29 يناير2002م ، وقامت الوزارة بعد صدور هذا القرار المنظم بإعداد برامج دراسية تتضمن تحديد الكتب والمواد المدرسة بمختلف مستويات هذا التعليم من الابتدائي إلى النهائي؛ سواء ما تعلق من ذلك بمواد علوم الشريعة، أو المواد الأخرى.
وأصبح التعليم العتيق بموجب هذا القانون ينضوي تحت وصاية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وما تحقق حتى الآن منذ صدور القانون المنظم خطوة على الطريقة ولبنة في البناء، لا يجوز الوقوف عندها بل لابد من استكمال البناء بوضع باقي اللبنات.
ورغم التطور الذي عرفه هذا التعليم إلا أن هناك جوانب عدة ما تزال تعاني تعثرا، ويقتضي الأمر استدعاؤها للساحة؛ سيما ما يتعلق بإدماج الأساتذة ومنح الطلبة وسوى ذلك.
ومن القضايا المثارة ما يتعلق بالكتاب المدرسي، خصوصا مع تزايد عدد المدارس العتيقة التي يفوق عددها 494 مدرسة، وأزيد من 21651، فضلا عن الكتاتيب القرآنية والحفاظ الذين يقدر عددهم أضعاف أضعاف العدد المذكور.
وكم مرة دون الأساتذة ملاحظات بشأن بعض ما هو مقرر، ولست أدري ما يفعل بتلك القرارات والملاحظات التي لا نرى لها أثرا في الواقع، ولعلها تغتال قبل أن تصل إلى الجهة المعنية بالحسم والبت فيها أو تتجاهل ... أو يفعل بها ما الله به عليم.
والجهة الوصية وإن اعتمدت وضع برنامج بمواد وكتب معينة تسير وفقه المدارس العتيقة؛ فإن الكتب المعتمدة؛ ليست كتبا مستقلة تعد وتؤلف لهذا الغرض، بل يقرر ما تيسر من ذلك؛ من كتب المذهب أو غيره، في مختلف المواد والفنون، وتلك الكتب لاشك أنها تختلف فيما بينها؛ فكم من كتاب مقرر لمستوى معين لا يلائم قدرات التلاميذ المقرر عليهم، ويفوق مفاهيمهم ومداركهم ولا يلائم مرحلتهم؛ ولا يساهم في بناء مرجعيتهم، وتنمية مختلف الملكات والمهارات لديهم، لتأهيلهم لحمل أمانة هذا التعليم وفهم هذا الدين وتبليغه وتنزيله.
كما هو الشأن في الكتاب المقرر في مادة علوم الحديث: "نزهة النظر شرح نخبة الفكر" للحافظ ابن حجر العسقلاني، وهو كتاب مقرر للسنة الثانية إعدادي، وكل من اطلع عليه يدرك أن الكتاب في طريقة تأليفه وصوغ عباراته وبعض إشكالاته يجب أن يوضع لمستوى آخر غير هذا المستوى الذي انتقل من البيقونية وشرحها، لاصطلاحات ابن حجر وعباراته الغامضة؛ وتتكرر الشكوى بين الفينة والأخرى من لدن تلاميذ التعليم العتيق من عدة كتب أخرى موضوعة لمستوى لا تناسبه تماما؛ كما هو الأمر في كتاب: "مناهل العرفان في علوم القرآن" لعبد العظيم الزرقاني وهو مقرر للسنة الأولى إعدادي والثانية، ويفوق في مواضيعه وعباراته، ذهن الطالب في هذا المستوى، والأدهى من ذلك أن نجد ضمن الكتب المساعدة، كتاب: "الظاهرة القرآنية" لمالك بن نبي، ولست أدري ما ذا سيفهم تلميذ بالإعدادي من كتاب: "الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي"، الذي تغلق بعض المفاهيم والتصورات فيه، على المتخصصين في المجال بله المبتدئين فيه.
ونجد التعقيد ذاته الذي تتكر شكوى التلاميذ منه في الكتاب المقرر في مادة التوحيد: "المختصر المفيد شرح جوهرة التوحيد" وهو كتاب مليء بإشكالات عقدية منها ما يجب تجاوزها، و منها ما يستعصي على ذهن التلميذ فهمها؛ فيجد الأستاذ نفسه أمام شحن العقول وتفريغ التراث في عقول التلاميذ بصحيحه وسقيمه دون القدرة على الإفادة من هذا التراث وتوظيفه للإجابة على إشكالات الحاضر، والارتماء في أحضاء ما قال المتقدمون وضمان التبرئة لأنفسنا بإحالة أقوالنا عليهم.
والأمر ذاته نجده في مادة: "النحو" التي طالما عده أهل هذا التعليم مادة أساسية هي للمواد الأخرى بمثابة الجذع لفروع الشجرة، ونجد المقرر في هاته المادة من طرف الوزارة للسنة الأولى إعدادي:" ألفية ابن مالك" بشرح المكودي، وما ذا سيعي تلميذ هذه المرحلة من المكودي وهو في أول عهده بالدراسة؛ حيث يعتبر مجرد الحديث بالعربية البسيطة التي يتحدث بها الأستاذ في القسم بالنسبة له دندنة وطنطنة؛ لسان حاله يقول عنها: "ياأستاذ لا نفقه كثيرا مما تقول، وإنا لنرى أنفسنا ضعافا، ولولا المقرر ما سمعناك، وما هو لنا بملائم ولا علينا بعزيز ..."، وكان الأولى أن يبدأ بكتاب آخر من الكتب المعروفة لدى أهل الفن من الكتب التي تكون كالتمهيد والتوطئة لتأهيل التلميذ مع التعامل مع ألفية ابن مالك وشرحها المكودي؛ وإذا كان ولابد من وضع ألفية ابن مالك في السنة الأولى إعدادي؛ فحري لو وضع "شرح ابن عقيل" باعتباره مبسطا وهو أخف من شرح المكودي المليء بالألغاز والعبارات الغامضة والضمائر العائدة على: "أبعد أو أقرب مذكور"، ولعل القائل يقول: قد يكون التلميذ درس تلك الممهدات والمقدمات في مرحلة الابتدائي، والجواب: أن عددا لا يستهان به من تلاميذ الإعدادي ولجوا هذا التعليم بحصولهم على شهادة الابتدائي بالتعليم العمومي، أهلهم لذلك حفظهم القرآن الكريم.
وفي المرحلة الثانوية نجد الإشكال ذاته يتكرر؛ كمناهل العرفان في علوم القرآن، المقرر في الأولى والثانية ثانوي؛ فهو وإن اختلفت المواضيع التي تدرس في كل مستوى من المستويات؛ فإنه من الناحية المنهجية والمستوى الذي يسير عليه مؤلفه في تناول مسائل ذلك الفن لا يلائم المرحلة الثانوية.
أما المرحلة النهائية التي يقبل فيها طالب التعليم النهائي العتيق على العالمية، لا نجد هذا الطور أيضا يخلو من خلل على مستوى المنهج وطبيعة المواد المقررة، ومن الطامات التي أتى بها المنهج الجديد أيضا في مقرر النهائي العتيق، كتاب: "جمع الجوامع" الذي يكتسب شهرته من تعقيده، ويستهوي الطلبة بألغازه، حتى تنافس بعضهم في صولاته وجولاته لختمه، وقد كان يمكن دراسة نفس المباحث الأصولية الموجودة بكتاب جمع الجوامع في أي كتاب أصولي آخر سهل العبارة جيد التركيب، متنوع المضمون، ومثل هاته المصنفات المعقدة التي دعى كثير من العلماء إلى نجاوزها، تؤدي إلى صرف ذهن الأستاذ والطالب على حد سواء عما ينبغي أن يفهم في المادة ويعلم من المضمون إلى تضييع الوقت بضمائره ومقاصده واحترازاته.
ولعل قائلا يقول تعليقا على ما قيل: أين دور الأستاذ في الشرح وبيان ما أشكل من العبارات؟.
وهنا يقال: إذا كان الغرض فسخ العبارات وفكها من أجل العبارة، وفهم قول فلان بالتحديد؛ فتلك قضية تستوجب نقاشا آخر، وإن كان المقصود فهم المادة؛ فالأولى وضع كتاب يلائم مستوى الطلبة والتلاميذ؛ يقيهم وأستاذهم عناء تلك العبارات المستغلقة بإحكام وإتقان؛ فالأستاذ إن صرف حيزه الزمني المخصص له في المادة لفك المغلق وتفكيك المركب المعقد؛ فإنه لن يستوفي المقرر قطعا، ولن يفهم التلاميذ المادة؛ بقدر ما يتشتت ذهنهم مع المفردات المغلقة، والكلمات المبهمة، التي ما تزال تستحوذ على حيز هام من حصص بعض الأساذتة المتعلقين بالألفاظ على حساب المعاني.
والكتب المقررة هي هي ذاتها لا تختلف في جميع مدارس التعليم العتيق؛ فهذا التعليم وإن كان يقسم إلى قسمين: تعليم عتيق عمومي تابع بصفة مباشرة للوزارة؛ كما هو حال القرويين في فاس ومسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، وتعليم عتيق خاص تشرف عليه جمعيات؛ كما هو الشأن بالنسبة لمدرسة الإمام مالك الخاصة للتعليم العتيق بتطوان، والتي تضم الطور الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي، ومدرسة الإمام الشاطبي بالمدينة ذاتها أيضا، وإن كانت لا تتوفر على جميع المراحل التي تتوفر عليها الأولى؛ فالفرق بين التعليمين: العام، والخاص، في الجهة المشرفة فقط؛ وكلا التعليمين في نهاية المطاف ينضوي تحت لواء وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ويخضع لمنهجها ومقررها.
وأعتقد أن أهل التعليم العتيق عليهم أن يتجاوزوا كثيرا مما يدعى أنه من خصوصياته؛ ككثرة الاسترجاع والحفظ ونوعية بعض المعلومات التي يتم التركيز عنها، الأمر الذي يضيع لنا كثيرا من الأوقات ويعطل عددا من الطاقات، سيما وأن عددا من هاته الطاقات تحاصر بوظائف هامشية تحبسها عن مواصلة السير للوصول إلى المواقع المؤثرة، التي عزف كثير من الطلاب عن الوصول إليها طوعا أو كرها.
وإذا ظل التعليم العتيق على ما هو عليه؛ من الوسائل التقليدية الطاغية عليه من مختلف الجوانب، فإن جيله سينتهي به الزمان إلى عزلة وغربة الزمان.
ويضاف إلى الخلل في المنهج الدراسي والكتاب المقرر، الوسائل المعتمدة، وأساليب التدريس ونظم التقويم، التي لا صلة لغالبها بما يعرفه العصر من تطورات سريعة، والتي يذهب ضحيتها الطالب ويؤدي ثمنها طوال سني عمره، ومراحل حياته.
لذلك أرى أن تصويب هاته الأخطاء التي أشرت إلى بعضها، وإعادة بناء المنهج الدراسي لهذا التعليم؛ بما يتناسب مع معارف ومدارك طلبة هذا التعليم، يعتبر من أولى الخطوات التي على الجهة الوصية على هذا التعليم أن تمنحه كامل العناية.
وخلاصة القول:
أن المطلوب من الوزارة ليس إعداد كتاب خاص لكل مستوى بمباحث وعناصر معينة؛ يعتمد المعلوم بالضرورة من شؤون الدين؛ كما هو حال التعليم العمومي، وإنما إعادة النظر في بعض الكتب المقررة واستبدالها بما هو أجدى وأفيد من كتبنا الزاخرة في تراثنا الإسلامي؛ ذلك أن الدعوة إلى تأليف كتاب مستقل للتعليم العتيق على غرار التعليم العمومي أمر تحفه مخاطر، ومبهمات، من شأنها أن تودي بهذا التعليم وتضعف نتائجه، وفي التعليم العمومي العبرة لمن يعتبر بشأن الكتب المقررة وطبيعة وطريقة القضايا المتناولة.
ولابد من استشعار هاته القضايا وغيرها، لتخليص هذا التعليم من الارتجال وإعادة البناء في ضوء الحاجات التي تتطلع إليها الأمة وتتطلبها من خريجي هذا التعليم.
والفرصة سانحة أمام أهله للنظر في مناهجهم ومقرراتهم، وتحريرها من قيود عفى عليها الزمان؛ لأخذ الدور في الحياة علما وعملا.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
الاشتراك في:
التعليقات (Atom)